قمّة جوفاء.. بلا قاعدة وبلا رأس!!

 

 

شؤون سياسية

الإثنين 1-4-2013

د. عيسى الشماس

 

اسمها قمّة عربيّة عقدت في الدوحة (26/3/2013)، ولكن أي قمّة يمكن أن تبلغ مستوى علوّها وهي تفتقر إلى قاعدتها الجماهيرية/ العربية التي فقدت ثقتها بالجامعة العربية، بعد المواقف الأخيرة المتخاذلة التي اتخذتها الجامعة تجاه سورية ؛

وكيف يمكن أن تبلغ هذه (القمّة) مستوى ارتفاعها في غياب سورية، مؤسّسة الجامعة العربية، وبانية قمّتها، وراعية مؤتمرات قِممها، وتفعيل أعمالها وإنجاحها؟!.‏

 

كيف يمكن لقمّة عربية أن تعقد اجتماعها وتنجح في أعمالها، في غياب سورية التي تمثّل رأس العمل القومي، وتحمل راية الدفاع عن القضايا العربية؟ وكيف يمكن لقمّة عربية أن تحقّق أهدافاً قومية في هذا الزمن العربي الرديء، وهي مختطفة من عربان النفط، وتأتمر من الخارج، يتزعّمها أمراء عربان باعوا المواثيق العربية في أسواق النفط وبورصات الدولار واليورو، وأودعوها في الزوايا السياسية المظلمة في كلّ من البيت الأبيض وقصر الأليزيه والكنيست الإسرائيلي..؟ فأي قمّة عربية هذه التي يديرها تجّار القضايا العربية وسماسرتها، إلى درجة يمكن تسميتها بـ«منبر الخطابة والمجاملات الجوفاء»، ولا جديد فيها سوى البكاء على الأطلال، وإطلاق الآمال والأمنيات الفارغة، التي تبخّرت مع انتهاء تلك القمّة وبيانها الهزيل.‏

 

وبما أنّ سورية قلب العروبة النابض، فكيف للجسم العربي أن يلتئم في أي قمّة من دون قلبه ، وأن يعمل ويؤدّي وظائفه من دون حيوية نبض هذا القلب ؟ وكيف لأعضاء الجسم العربي أن تتحرك وهي تعاني الضعف والوهن والهوان؟ بعدما فقدت التغذية من شرايين هذا القلب الذي يمدّها بدماء العروبة الأصيلة ، ويكسبها المناعة القوية في مواجهة الانزلاق نحو فقدان الهوية والانتماء القومي .‏

 

كيف يسمع صوت القمّة العربية المتلثم، في غياب الصوت السوري الذي كان على الدوام، الصوت المدوّي المعبّر عن ضمير الأمّة العربية؟ كيف يمكن استبدال هذا الصوت بأصوات الغربان التي تنعق هنا وهناك وتنذر بالحقد والكيديّة، والتفرقة بين أبناء الأمة العربية ودولها، وإعاقة أي مسعى لتوحيد كلمة هذه الأمة ورفع شأنها والحفاظ على كرامتها وسيادتها.‏

 

جلسوا على مقاعد فارهة، وأجلسوا بينهم على المقعد السوري، مولوداً (هجيناً) غير شرعي، من صناعة قطر وامتياز وكالة الاستخبارات الأمريكيّة، وخلعوا عليه شخصيّة ممثّلة للشعب السوري الذي لم يعترف به، ليجعلوا منه دمية يحكونها كيفما أرادوا ، بدلاً من الأب السوري الشرعي، الذي صنع هذا المقعد بمواصفات قوميّة، وأسهم في بناء البيت العربي (الجامعة العربيةليعمل ما هو خير لأبناء هذا البيت، وليس ليزرع بينهم الفتن والشرور، كما تفعل (جماعة العربان) التي هيمنت على الجامعة بقوّة البترول والدولار التي رضخ لها أصحاب النفوس الضعيفة والمتخاذلة من أعضاء هذه المؤسّسة، إلى حدّ جعلوها ضعيفة/مستضعفة تفقد هويتها ودورها العربي.‏

 

كان اجتماعهم تظاهرة لخطابات مقيتة ممجوجة تدعو إلى السخية والاشمئزاز، لا جديد فيها سواء من حيث مضمونها أم من طريقة قراءتها المتلعثمة؛ يستهلّونها بتبادل الثناءات والمجاملات و(التشكّراتثمّ يتسابقون إلى تصوير الوضع العربي المأساوي، وهم الذين أوصلوهم إلى هذا المستوى الرديء، بضعفهم وتخاذلهم وتآمر بعضهم على بعض. لينتقلوا بوقاحة وسفاهة إلى إبداء الحزن والتألّم الخادع على الشعب السوري وتحميل (النظام) مسؤولية الأزمة السورية واستمرارها، ويبشّرون بما هو أعظم من خلال ما صدر في بيانهم الكيدي ضدّ سورية، حول تسليم عصابة ( الإتلاف= الإتلاف) مقاعد سورية في مؤسّسات (الجامعة العبريةوتسليح المعارضة وتشجيع الإرهاب الجهادي الذي اعترفوا به، وبمتطوعيه من بلدان عربية وأجنبية. فكانوا كمن يصبّ الزيت على النار لتزداد اشتعالاً، وهم يتفرّجون على لهيبها واحتراق سورية بها.‏

 

اجتمعوا على الضلال ؛ عزفوا على أوتار مأساة الأزمة السورية ؛ رقصوا على ألحانها ؛ شربوا نخب دماء السوريين الأبرياء الذين استشهدوا، والذين كانوا يستشهدون أثناء اجتماعهم المشؤوم، في مدارس دمشق وجامعتها وجوامعها، وأحيائها في ركن الدين والبرامكة وباب شرقي، ولم يخجلوا من أنفسهم على ما فعلوا بسورية، الحضارة والتاريخ العربي المجيد، بفعل الإرهابيين المجرمين الذين جندتهم دول (جماعة العربان العبرية) لتخريب سورية وسفك الدماء السورية. في حين كان يدّعي أصحاب أصوات الأبواق المأجورة، أنّهم حريصون على سورية ويعملون لمساعدتها على إيجاد الحلّ السياسي للأزمة التي تعيشها؛ فأي شكل من أشكال الكذب والتضليل يخترعون؟ كيف يكون الحلّ السياسي مع استمرار الأعمال الإرهابيّة، وإمداد المجرمين بالأسلحة المتطوّرة لمواجهة الدولة السورية وقتل شعبها؛ ألا يثير هذا الموقف الخبيث المتناقض ، السخرية من تلك الأصوات الفارغة ومزاعمها تجاه الشعب السوري..؟!‏

 

فإذا كانوا صادقين فعلاً في نياتهم تجاه سورية (وهم ليسوا صادقينفكان عليهم أن يقدّموا لها الاعتذار عن مواقفهم وقراراتهم التي أساؤوا فيها إلى سورية، دولة وشعباً، ويعيدوها إلى موقعها الطبيعي في (الجامعةوإذا أرادوا وقف العنف كما يطالبون، فعليهم أن يتخلّوا عن أزلامهم من المعارضة المتطرفة/ المتآمرة ويكفّوا عن دعم العصابات الإرهابية المسلّحة التابعة لها، وأن يعلنوا صراحة استنكارهم لتلك الفتاوى التحريضيّة/ المقيتة التي تحلّل سفك الدم السوري البريء، والتي راح ضحيتها آلاف السوريين الأبرياء، وآخرهم الشهيد العلامة/ محمد سعيد لرمضان البوطي/ الذي اغتالته يد من أيادي مرتزقتهم المجرمة، وهو رحاب بيت الله. وكان الأحرى بهم أن يشجّعوا كلّ الأطياف السورية على الحلّ السلمي من خلال الحوار الوطني الذي تدعو إليه السلطات السورية.‏

 

فلا يجوز لأصحاب (القمة) مهما كانت طبيعة تمثيلهم، أن يستمعوا إلى أشخاص غير شرعيين يتحدّثون باسم سورية، وهم متآمرون على سورية ؛ ولايحق لعربان القمّة أن يتخذوا قرارات بشأنها وهم الذين يرفضون حضورها الشرعي؛ ولذلك فإنه من الطبيعي أن ترفض سورية بياناتهم وقراراتهم، وأي مبادرة يبتدعونها لمساعدتها، لأنّ في ذلك تدخّلاً سافراً في شؤونها الداخلية من جامعة انحرفت عن ميثاقها العربي وتحوّلت إلى (جماعة) فتنة وتفتيت وعمالة، تتزعمها أطراف مكشوفة في مواقفها الكيدية، وارتباطاتها بتنفيذ أجندات خارجية معادية لسورية وللعرب.‏

 

وأخيراً، لا ننكر المساعي العراقية والجزائرية واللبنانيّة الصادقة تجاه الأزمة السورية، وتأكيد مكانة سورية الوطنيّة في الجامعة العربية، ونقدّر تلك المساعي التي بذلت لإعادة سورية القوميّة إلى هذه المكانة الطبيعيّة . ولكنّ شاء أمراء العربان متسلّقو أدراج الجامعة العربية وزعامتها(القطريةأن يخرجوا سورية من حلبة العمل العربي الجاد والمسؤول، وحسبهم أن يضعفوها ويحجّموا دورها القومي من خلال التآمر عليها. ولكنّهم أخفقوا في تحقيق أهداف مؤامراتهم المكشوفة أمام الشعوب العربية، وخابت ظنونهم فيما سعوا إليه من أجل الإساءة إلى سورية، قيادة وشعباً.‏

 

فسورية ستبقى سورية بوطنيتها وقوميتها، وإن عملوا على مقاطعتها وتجميد دورها في الجامعة العربية، فساحة الوطن العربي الكبير فسيحة واسعة وتفتح آفاقها لسورية، قلب العروبة النابض وحاملة آلام العرب وآمالهم، والجماهير العربية تعرف ذلك.