مناظرة ومناظرة

 

22/10/2012 12:00 صباحا

 

علي جاسم

عودّتنا الانتخابات الرئاسية الامريكي خصوصا والغربية عموما، وهي تجري عادة كل أربع سنوات، على نمط ديمقراطي حضاري جميل يمثل قمة ما وصلت إليه المجتمعات الانسانية من تفاهم انساني لبناء الحضارات المتقدمة وتبلور كافة عناوين الديمقراطية والحوار البناء والجاد لتسلق قمم الرقي والتطور في أشكال العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وبين الاطراف السياسية المتنافسة تنافسا شريفا للوصول الى سدة الحكم وأداء (وظيفة رئيس جمهورية) لمدة محددة مسبقا بسنوات أربع لا غير، مع تقديم الضمانات الكفيلة بتأدية الواجبات المناطة به وإن اختلف عنوانه الوظيفي من عامل أو طبيب أو بائع الى رئيس، وبالطبع فان هذه الوظيفة لا يتحصل عليها عن طريق الانقلابات العسكرية في البلدان الافريقية أو الاغتيالات في أميركا اللاتينية أو تزوير صناديق الاقتراع في المنطقة العربية أو استخدام فكرة الانتخابات كتسلية كما يريدها الحاكم الصدامي في عراق ما قبل التغيير السياسي!. 

في نهاية كل دورة رئاسية نشاهد مندهشين ــ نحن ملايين العرب والآسيويين المحرومين من المسلسلات الديمقراطية حتى وإن كانت مدبلجة دبلجة خرافية خيالية ــ نشاهد لقطات ملونة وبراقة من التنافس بين الرئيس المنتهية ولايته (مثل أوباما حاليا) والمرشح الاوفر حظا لتولي الرئاسة (ميت رومنيوهذا التنافس يبدأ أولى خطواته بالدعاية الاعلامية الممولة من قبل شركات استثمارية أو متبرعين من حزبه أو من عامة الشعب المناصرين له، بعيدا عن موارد الحكومة وميزانياتها، وبكشوفات شفافة يمكن الاطلاع عليها في أي وقت شاء المواطن الاجنبي، ثم تبدأ حملات منظمة ومنسقة للمرشحين بزيارة المدن تباعا للحصول على تأييد مواطنيها عبر قيام المتنافس شخصيا بعرض برنامجه لعمل الحكومة وأولى أولوياته وخططه السياسية والامنية والاقتصادية والتعليمية التي سيتبناها، وفي آخر مرحلة من مراحل التنافس الرئاسي تكون هناك مناظرات تلفزيونية علنية يحضرها جمهور بين أكبر متنافسين، وهما جالسان على كرسيين متقابلين وجها لوجه، وليست دائرة مغلقة، أي يشاهدها الاميركي والصيني والهندي وكذلك السعودي في شبه الجزيرة الترابية في حال لم يكن مشغولا بحضور إحدى مسابقات (البعران)!.

أنظمتنا السياسية والديمقراطية العربية الى اليوم هي فقيرة او حديثة الولادة، إن كنا نملكها فعلا، وحتى دول الربيع العربي لم تمهلها مساحة كافية تبني بها دولها الجديدة، وكذا الحال في العراق الجديد على اعتبار تسع سنوات سبق بها الدول الاخرى، اذ لم نجد في أي يوم من الايام حدوث تنافس سياسي مهني ومحترف بعيدا عن لغات الاتهام والتسقيط السياسي ورفض الرأي الآخر، وحتى عناوين التعاون وتعزيز الاواصر والتحاور فقد فقدت ضالتها بوجود عناوين جديدة مستحدثة تبنتها بعض أطراف العملية السياسية وثم شاعت واتسعت كالمحاصصة والمذهبية والمناطقية والفئوية وصولا الى التنافر والتخاصم والتقاطع، على العكس من حالة أوباما ورومني ــ مثالنا هنا ــ فأن الاطراف السياسية العراقية تجتمع كل يوم تقريبا داخل قبة البرلمان وخارجه في اجتماعات ثنائية وثلاثية، واخرى خلف الكواليس، لكنها لم تصل يوما الى لغة التحاور والتنافس الشريف، بل انها لم تبتعد عن محاولات تشويه سمعة الآخرين والتنديد بهم وتسقيطهم سياسيا واعلاميا، حتى اصبحت شاشات الفضائيات مسرحا للاتهامات والفوضوية، لدرجة ان بعض مقدمي البرامج صار يتلاعب بالسياسي الضيف في برنامجه ويوجهه كيفما شاء وباتجاه أية كتلة أو شخصية يريدها البرنامج ليتحول البرنامج للتراشق الاعلامي وكشف العيوب والفضائح، وكأنها مشاجرة نسائية وليست محاورة سياسية، مع اننا لم نسمع يوما ان أي أحد من المتنافسين الغربيين قد اشهر لسان السب والشتم ضد الآخر، او انه لوح بكشف فضيحة أو سرقة قام بها عضو الحزب الديمقراطي أو مرشح الجمهوريين، ربما لأنها لم تحدث أبدا، أو ربما لأنه يعلم ان مئات الملايين عبر العالم يتابعون هذه المناظرة الديمقراطية في دولة الديمقراطية الاولى!